jeudi 26 novembre 2009

الإنسان

يعتبر موضوع الإنسان محور اهتمام الفلسفة، إذ تناولت مند بدايتها مع الإغريق، و تنوعت طرق دراسته و مجال بحثه، يمكن تحديد الظروف المتدخلة في تحديد حقيقة الإنسان إلى بُعدين، أولهما بعد موضوعي و يتجلى في مجموعة من الإكراهات و الحتميات و الضغوطات التي تفرض على الإنسان، و منها خضوعه لقوانين الطبيعة ثم سيادة قوانين المجتمع و أعرافه و تقاليده عليه ثم كونه كائن فان. أما البعد الثاني فهو ذاتي يرتبط أساسا بجانب الحرية و التفكير اللذين يتمتع بهما الإنسان، و من خلالهما يستطيع الإنسان أن يختار سلوكاته و يغير من وجوده، وما دام الإنسان يوجد داخل مجتمع فينبغي أولا تحديد حقيقة هذا الإنسان و توضيح الأساس الذي تنبني عليه، كما ينبغي تحديد علاقة الأنا بالغير على مستوى المعرفة و الوجود، و أخيرا ينبغي تحديد تصور الإنسان للتاريخ و مراجعة المعارف التاريخية و الأسس التي تنبني عليها بهدف تكوين معرفة حقيقية.


الشخص

يشير مفهوم الشخص إلى الذات الإنسانية بما هي ذات واعية ومفكرة من جهة، وذات حرة ومسؤولة من جهة أخرى. إذا كان الكثير من الفلاسفة قد ركزوا على جانب الفكر والوعي باعتبارهما يمثلان جوهر الشخص البشري، فإن هناك أبعاد أخرى تميز هذا الكائن؛ بيولوجية وسيكولوجية واجتماعية وغيرها. فللشخص صفات جسدية متغيرة، كما أن له حياة نفسية متقلبة، ثم إنه حيوان سياسي وأخلاقي، محكوم بروابط وعلاقات مع الغير.
أمام كل هذه المحددات نجد أن مفهوم الشخص يثير الكثير من الإشكالات، من أهمها ما يلي:
- ما الذي يتغير في الشخص؟ وما الذي يبقى ثابتا؟ أين تتمثل هوية الشخص؟ هل هي هوية واحدة أم متعددة؟
- ما الذي يميز الشخص ويمنحه قيمة وتميز عن باقي الحيوانات والأشياء؟ وما الذي يؤسس البعد القيمي- الأخلاقي للشخص؟
- بأي معنى يمكن النظر إلى الشخص كذات حرة ومسؤولة؟ ألا يمكن القول بأن حريته مشروطة بأوضاع اجتماعية؟
І - الشخص والهوية:
*إشكال المحور: ما الذي يكون الهوية الشخصية؟ وعلى ماذا تتأسس هوية
الشخص؟
1- موقف جون لوك: تحديد هوية الشخص انطلاقا من الشعور والذاكرة.
الشخص عند جون لوك كائن واع ومفكر، يتأمل ذاته ويدرك أنها مطابقة لنفسها في كل لحظة تمارس فيها التفكير والتعقل. ويربط لوك بين الفكر والشعور، وهذا الربط هو الذي جعله يستنتج أن الشعور هو ما يكون الهوية الشخصية للإنسان. كما يربط من جهة أخرى بين الذاكرة وهوية الشخص؛ إذ كلما امتد الشعور في الذاكرة إلا واتسعت معه هوية الشخص وتقوت. وهذا يعني أن الشعور والذاكرة هما مكونان أساسيان لهوية الشخص.
2- موقف شوبنهاور: الإرادة كأساس لهوية الشخص .
خلافا للفلسفات التي تحدد هوية الشخص انطلاقا من الوعي والذاكرة، يرى شوبنهاور أن هوية الشخص تتحدد بالإرادة، إرادة الحياة التي تظل ثابتة فينا حتى عندما ننسى ونتغير كلية.
هكذا وبالرغم من التحولات التي يحملها الزمن إلى الإنسان، فإنه يبقى فيه شيء لا يتغير، وهو الذي يمثل نواة وجوده الذي لا يتأثر بالزمن. وهذا الشيء لا يتمثل في الشعور المرتبط بالذاكرة، لأن أحداث الماضي يعتريها النسيان، والذاكرة معرضة للتلف بسبب الشيخوخة أو المرض. من هنا يرى شوبنهاور أن أساس هوية الشخص ونواة وجوده تتوقف على الإرادة التي تظل ثابتة وفي هوية مع نفسها، وهي التي تمثل ذاتنا الحقيقية والمحركة لوعينا وذاتنا العارفة.
ІІ- الشخص بوصفه قيمة:
*إشكال المحور: ما الذي يؤسس البعد القيمي- الأخلاقي للشخص؟ ومن أين يكتسب قيمته
الأخلاقية من ذاته أم من علاقته بالآخرين؟
1- موقف كانط : للشخص قيمة مطلقة في ذاته.
يعتبر كانط بأن الشخص هو الذات التي يمكن أن تنسب إليها مسؤولية أفعالها. من هنا فالشخص هو كائن واع، وهو ما جعله يكتسب قيمة مطلقة في حين لا تتمتع الموجودات غير العاقلة إلا بقيمة نسبية. كما يعتبر الشخص غاية في ذاته، بحيث لا يمكن التعامل معه كمجرد وسيلة. وهذا يعني أنه يمتلك قيمة وكرامة لا تقدر بثمن.
ولكي يحافظ الشخص على احترامه كذات حرة وأخلاقية، يجب عليه أن يتصرف وفقا للأمر الأخلاقي المطلق بحيث يعامل الإنسانية في سلوكه كغاية وليس كوسيلة. هكذا فحرية الشخص عند كانط مقترنة بالتزامه بالأمر الأخلاقي الذي هو قانون عملي كلي ومطلق، يشكل مبدأ موضوعيا للإرادة الإنسانية، ويعامل الطبيعة الإنسانية كغاية في ذاتها.
2- موقف غوسدورف: قيمة الشخص لا تتحقق إلا من خلال مشاركته للغير.
بخلاف فلسفة كانط التي تناولت الشخص الأخلاقي من منظور نظري وعقلي مجرد، نجد أن غوسدورف يتناوله من منظور عملي واقعي. هكذا فقيمة الشخص الأخلاقي لا تتحقق إلا من خلال مشاركته للغير وأشكال انفتاحه عليه. فمنذ البدايات الأولى للوجود البشري والإنسان يعيش مع الآخرين ضمن أشكال من التعايش والتضامن التي سمحت للفكر الأخلاقي وغيره أن يتشكل على أرض الواقع. من هنا فالكمال الأخلاقي الشخصي لا يتحقق في مجال الوجود الفردي، بل في مجال الوجود الاجتماعي وفي أشكال التعايش مع الناس.
ІІІ- الشخص بين الضرورة والحرية:
*إشكال المحور: ما علاقة الشخص، بوصفه ذات حرة، بما يحمله من صفات وما
يصدر عنه من أفعال؟ هل هي أفعال صادرة عن إرادة حرة
أم محكومة بإشراطات؟
1- موقف العلوم الإنسانية: الشخص خاضع لحتميات مختلفة.
لقد اعتبر علم النفس الفرويدي بأن نفسية الإنسان تتحدد بشكل حاسم في مرحلة الطفولة، كما أن سلوكاته تقف وراءها نزعات لاشعورية توجه حياته دون أن يشعر. هكذا يحل اللاوعي محل الوعي، ويبدو الشخص خاضعا لنزعاته التدميرية العدوانية التي يختزنها "الهو".
ومن جهة أخرى بينت الدراسات الاجتماعية والأنثروبلوجية أن الكثير من أحاسيس الإنسان وأفكاره وسلوكاته مفروضة عليه من خلال التنشئة الاجتماعية. فالشخص لا يعدو أن يكون نتاجا لتفاعل بنيات وقواعد مؤسسية مختلفة تمارس عليه الإكراه من مختلف الزوايا؛ سواء تعلق الأمر بالبنيات النفسية أو اللغوية أوالمادية والاقتصادي. من هنا فقد انتهت العلوم الإنسانية إلى التأكيد على أن وعي الشخص بذاته يشوبه الوهم والغرور، وتحدثت عن موته واختفائه وسط العديد من المحددات التي تشرطه وتحاصره.
لكن هل يعني هذا غيابا تاما لحرية الشخص في بناء نفسه؟
2- الموقف الفلسفي: القول بحرية الشخص في بناء نفسه.
1- موقف سارتر: الشخص مشروع حرية تتحقق بشكل دائم.
يرى سارتر أن الإنسان كشخص هو مشروع مستقبلي، يعمل على تجاوز ذاته ووضعيته وواقعه باستمرار من خلال اختياره لأفعاله بكل إرادة وحرية ومسؤولية، ومن خلال انفتاحه على الآخرين. ولتأكيد ذلك ينطلق سارتر من فكرة أساسية في فلسفته وهي "كون الوجود سابق على الماهية"، أي أن الإنسان يوجد أولا ثم يصنع ماهيته فيما بعد.إنه الكائن الحر بامتياز، فهو الذي يمنح لأوضاعه معنى خاصا انطلاقا من ذاته؛ فليس هناك سوى الذات كمصدر مطلق لإعطاء معنى للعالم.
إن الشخص هو دائما كائن في المستقبل، تتحدد وضعيته الحالية تبعا لما ينوي فعله في المستقبل.فكل منعطف في الحياة هو اختيار يستلزم اختيارات أخرى، وكل هذه الاختيارات نابعة من الإنسان باعتباره ذاتا ووعيا وحرية.
2- موقف عزيز لحبابي: تصطدم حرية الشخص بشروط موضوعية.
يذهب لحبابي إلى أن كل فعل إنساني هو فعل قصدي يرمي إلى تحقيق نوايا وأهداف واعية. وهذا يستلزم من الذات الإنسانية تفهم الشروط الموضوعية والوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك الفعل. وهذه القصدية الواعية هي التي تضفي طابع الحرية على الفعل الإنساني، وتجعله يتميز عن الأفعال الآلية الصادرة عن دوافع غريزية كما هو الشأن عند الحيوانات.
هكذا فالكائن الإنساني يسعى إلى شخصنة أفعاله بما هو ذات حرة، وذلك بالسعي نحو اكتساب صفات تميزه كشخص وتضفي على أفعاله قيمة وغائية إنسانية. وبقدر ما أن الشخص حر ويسعى إلى تحقيق ذاته بحسب ما يريده في المستقبل، فهو أيضا ملزم أمام نفسه وأمام المجتمع، أي أن له قضايا إنسانية واجتماعية يضع نفسه في خدمتها. من هنا فإذا كان الشخص حرا وتتسم أفعاله بالقصدية، فإن حريته تصطدم بمحك الواقع وتختبر نفسها داخله؛ إذ لا بد للشخص أثناء إنجازه لأفعاله وتقريره لمشاريعه أن يتفهم شروط وجوده الواقعية.
هكذا فالحرية حسب عزيز لحبابي، ليست مجرد حرية نظرية ذاتية، بل إنها حرية مجتمعية وتاريخية، إنها حرية ملتزمة بقضايا المجتمع والآخرين.
الغير


جاء في معجم روبير بأن "الغير هم الآخرون من الناس بوجه عام". كما نجد تحديدا في معجم لالاند الفلسفي جاع فيه مايلي: "الغير هو آخر الأنا، منظورا إليه ليس بوصفه موضوعا، بل بوصفه أنا آخر". ويقول جان بول سارتر: "الغير هو الآخر، الأنا الذي ليس أنا". انطلاقا من هذه التحديدات يمكن أن نلاحظ بأن الغير هو مخالف ومشابه للأنا في نفس الوقت؛ إنه مماثل له في الإنسانية، أي يتمتع مثله بمقومات الشخص من وعي وحرية وكرامة وغير ذلك. لكنه مع ذلك يختلف عنه في الكثير من الخصائص المتعلقة بالجوانب السيكولوجية والاجتماعية والثقافية وغير ذلك. وإذا كان ديكارت قد جعل الأنا منغلقا على ذاته؛ يعيش نوعا من العزلة الأنطلوجية والإيبيستيمية، فإن هيغل أعاد الاعتبار للغير واعتبر وجوده ضروريا بالنسبة لوجود الأنا ووعيه بذاته. انطلاقا من هنا يطرح السؤال التالي: ماذا يشكل وجود الغير بالنسبة لوجود الأنا؟ أو ما الذي يميز وجود الغير بالنسبة لوجود الأنا؟ وإذا كانت معرفة الموضوعات الطبيعية ممكنة بفضل تطور العلوم الدقيقة، فإن معرفة الغير كوعي آخر تطرح العديد من الصعوبات؛ فهل معرفة الغير ممكنة؟ وكيف تتم معرفته بوصفه وعيا؟ غير أن العلاقة بين الأنا والغير لا تنحصر في المستوى المعرفي، بل تتجلى في مستويات عدة؛ عاطفية وأخلاقية واجتماعية...فما هي طبيعة العلاقة التي يجب أن تسود داخل هذه المستويات بين الأنا والغير؟ وعلى ماذا يجب أن تتأسس هذه العلاقة؟
І- وجود الغير:
*إشكال المحور: ماذا يشكل وجود الغير بالنسبة لوجود الأنا؟ وما مميزات
الوجود مع الغير؟
1- موقف مارتن هايدغر:
يحلل هايدغر معنى الوجود مع الآخرين، فيخلص إلى أن الذات تفقد تميزها وهويتها كاختلاف عندما تدخل في حياة مشتركة مع الغير. هكذا يتميز الوجود مع الغير بخاصية التباعد الذي قد يعني غياب تفاهم وتعاطف بين الأنا والغير.فالأنا في علاقته مع الغير يوجد تحت قبضته وسيطرته، بحيث يقوم هذا الأخير بإفراغ الأنا من إمكانياته ومميزاته الفردية ويجعله تابعا له.
إن الغير يمارس على "الموجود هنا" هيمنة خفية، خصوصا وأن مفهوم الغير غير محدد بدقة بحيث أن الذات هي الأخرى جزء منه، وبانتمائها له تزيد من هيمنته وسلطته عليها. ويتجلى هذا الانتماء في وجود روابط عرفية وقانونية مشتركة بين الأنا والغير، وهي التي يستثمرها هذا الأخير من أجل بسط هيمنته على الذات وإحكام قبضته عليها. ويؤكد هايدغر على خاصية التشابه أو اللاتمييز التي توجد بين الأنا والغير، بحيث تذوب الذات في الغير وتفقد تميزها وتفردها الخاص. هكذا يعمل الآخرون على خلق ذوات متشابهة، ويساهمون في اختفاء هوية الفرد وذوبانه في حياة الجماعة.
2- موقف جان بول سارتر:
يرى سارتر أن وجود الغير ضروري من أجل وجود الأنا ومعرفته لذاته، وذلك واضح في قوله: "الغير هو الوسيط الضروري بين الأنا وذاته". من هنا فالغير هو عنصر مكون للأنا ولا غنى له عنه في وجوده. غير أن العلاقة الموجودة بينهما هي علاقة تشييئية، خارجية وانفصالية ينعدم فيها التواصل مادام يعامل بعضهما البعض كشيء وليس كأنا آخر. هكذا فالتعامل مع الغير كموضوع مثله مثل الموضوعات والأشياء يؤدي إلى إفراغه من مقومات الوعي والحرية والإرادة. ويقدم سارتر هنا مثال النظرة المتبادلة بين الأنا والغير؛ فحين يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وحرية، وما إن ينتبه إلى أن أحدا آخر يراقبه وينظر إليه حتى تتجمد حركاته وأفعاله وتفقد عفويتها وتلقائيتها. هكذا يصبح الغير جحيما، وهو ما تعبر عنه قولة سارتر الشهيرة:"الجحيم هم الآخرون".
إن نظرة الغير إلي تشلني من إمكانياتي ومقوماتي كأنا، فتعمل على تجميد حركاتي وتسلبني إرادتي وحريتي. إن نظرة الغير إلي تقلقني لأنها مصحوبة بتقديرات لا يمكن معرفتها، خصوصا التقديرات المرتبطة بأحكام القيمة.
هكذا يتحدد وجود الغير مع الأنا من خلال عمليات الصراع والتشييء والاستلاب. لكن مع ذالك يعتبر سارتر أن وجود الغير شرط ضروري لوجود الأنا و وعيه بذاته بوصفه ذاتا حرة ومتعالية.
ІІ- معرفة الغير:
*إشكال المحور: هل معرفة الغير ممكنة؟ وكيف يتم إدراك الغير ومعرفته
بوصفه وعيا؟

1- موقف ماكس شيلر:
يرى ماكس شيلر أن معرفة الغير ممكنة، وأنها معرفة تتم من خلال الإدراك الكلي الذي يجمع بين إدراك المظاهر الجسمية الخارجية وإدراك الحالات النفسية والفكرية الداخلية.هكذا فمعرفة الغير لا تتم من خلال تقسيمه إلى ظاهر وباطن، إلى جسم وروح؛ بحيث أن الأول يدرك خارجيا، والثانية تدرك داخليا، إن معرفة بهذا الشكل غير ممكنة لأن الغير كلا لا يقبل القسمة، ومعرفته لا تتم إلا بوصفه كذلك.
من هنا يرى شيلر أنه لا يمكن تجزيء ظاهرة التعبير لدى الإنسان إلى وحدات صغرى لإعادة تركيبها لاحقا، بل يجب إدراكها كوحدة غير قابلة للقسمة إلى أجزاء. فمعرفة الغير لا تتم من خلال الملاحظة والاستقراء العلميين، لأن نمط معرفة الغير كأنا آخر غير مماثلة لنمط المعرفة المتعلقة بالظواهر الطبيعية، بل إنها معرفة تتم من خلال التعاطف معه، والنفوذ إلى أعماقه من خلال الترابط الموجود بين تعبيراته الجسدية ومشاعره الباطنية؛ فحقيقة الغير تبدو مجسدة فيه كما يبدو ويتجلى للأنا، حركات التعبير الجسدية لديه حاملة لمعناها ودلالاتها مباشرة كما تظهر؛ الباطن يتجلى عبر الظاهر ولا انفصال بينهما.
2- موقف غاستون بيرجي:
يجسد غاستون بيرجي موقفا يرى من خلاله أن معرفة الغير غير ممكنة، لأن بينه وبين الأنا جدارا سميكا لا يمكن تجاوزه. هكذا فتجربة الأنا الذاتية معزولة وغير قابلة أن تدرك من طرف الغير. فالأنا يعيش تجربة حميمية مع الذات تحول دون تحقيق أي تواصل بينه وبين الغير. فلا يمكن للآخرين اختراق وعيي، كما لايمكنني نقل تجربتي الداخلية لهم حتى ولو تمنيت ذلك، لأنني أشعر بالعزلة وأعيش في قلعة منيعة يستعصى على الغير اقتحامها. وهذه العزلة متبادلة بين الأنا والغير؛ فمثلما أن أبواب عالمي موصدة أمامه، فكذلك أبواب عالمه موصدة أمامي. ويتبين هذا من خلال تجربة الألم مثلا؛ فعندما يتألم الغير ويبكي أواسيه وأشاطره المعاناة، غير أنني لا يمكنني أبدا أن أعيش بنفس الكيفية تجربة بكائه الذاتية، لأنها تجربة شخصية خاصة به وحده دون غيره من الناس.
هكذا فبالرغم من سعي الإنسان الدؤوب نحو تحقيق التواصل مع الغير، كحاجة ملحة داخله، فإن الغير يظل سجينا في آلامه ومنعزلا في ذاته ووحيدا في موته.
ІІ- العلاقة مع الغير:
* إشكال المحور: ماهي الرهانات التي تنشأ عن علاقة الأنا بالغير؟ وعلى
ماذا تتأسس هذه العلاقة؟
1- موقف إيمانويل كانط:
يؤسس كانط العلاقة بين الأنا والغير على مبادئ أخلاقية وعقلية كونية. ويتجلى ذلك من خلال حديثه عن الصداقة باعتبارها علاقة تقوم على مشاعر الحب والاحترام المتبادلة بين شخصين. وغاية الصداقة، في صورتها المثلى، هي غاية أخلاقية طيبة، تتمثل في تحقيق الخير للصديقين معا. وقد اعتبر كانط الصداقة واجبا عقليا يجب على الإنسان السعي نحو تحقيقه، وإن كان يتعذر تحقيقها في صورتها المثلى على أرض الواقع. كما تتطلب العلاقة مع الغير مراعاة المساواة بين عناصر الواجب الأخلاقي؛ بين مشاعر الحب من جهة، باعتبارها قوة جذب وتجاذب بين الصديقين، ومشاعر الاحترام من جهة أخرى، باعتبارها قوة دفع وتباعد بينهما.
لذلك يجب أن تكون مشاعر الصداقة متبادلة بين الصديقين، ومبنية على أساس أخلاقي خالص، وليس على أي منافع آنية ومباشرة.
2- موقف أوغست كونت:
إذا كان كانط قد أسس العلاقة بين الأنا والغير على أسس نظرية، مثالية وميتافيزيقية تنبني على ما ينبغي أن يكون وليس على ما هو كائن، فإن أوغست كونت على العكس من ذلك بنى أسس هذه العلاقة على استقراءات واقعية تترصد ما يحدث على مستوى الواقع الاجتماعي الفعلي. هكذا اعتبر كونت أن هناك واقعة يتعذر تجاوزها، وهي أن الإنسان يحيى بفضل الغير؛ بحيث لا يمكن للفرد مهما أوتي من قوة ومهارة أن يرد ولو جزءا بسيطا للإنسانية مقابل ما تلقاه منها. ويترتب عن هذه الواقعة أنه يجب على الإنسان أن يحيى من أجل الغير، عن طريق نكران الذات والتضحية من أجل الآخرين، من أجل ترسيخ قيم التعاطف والتضامن سعيا وراء تطوير الوجود البشري.
هكذا تعمل الغيرية على تهذيب الغريزة البشرية وتسييجها؛ فتطهر الفرد من أنانيته الهمجية وتكبح ميولاته المصلحية الضيقة، كما تعمل هذه الغيرية على الارتقاء بالأخلاق الإنسانية إلى مستوى من الفهم يتجاوز كل المقاربات اللاهوتية والميتافيزيقية.

التاريخ
يعتبر مفهوم التاريخ من الموضوعات التي تهتم بالإنسان وذلك بهدف تخليد تجاربه و معارفه، و لقد بدأ الاهتمام بكتابة التاريخ منذ العصور القديمة. غير أن البحث في مجال التاريخ يطرح إشكالات متعددة، يتعلق أولها بالوصول إلى المعرفة التاريخية من خلال اعتماد مناهج دقيقة و محاولة تحري الصدق و الوصول إلى اليقين، غير أن الحقيقة اليقينية في المعرفة التاريخية يصعب الوصول إليها، وذلك بسب(تدخل ذاتية المؤرخ، وقلة الآثار والوثائق المعتمدة وكون الواقعة التاريخية غير قابلة للتكرار)، أما الإشكال الثاني فيتعلق بدور الإنسان في التاريخ، ويتجلى الإشكال الثالث في تحديد أهمية المعرفة التاريخية الماضية بالنسبة للحاضر و المستقبل.
المعرفة التاريخية
"بول ريكور" كتابة التاريخ مسالة صعبة، فمعرفتنا بالتاريخ لا تعد حقيقة مطلقة بل هي معرفة نسبية غير أنها ومع ذلك تعد معرفة علمية موضوعية.
"ريمون ارون" معرفة الإنسان بالتاريخ عملية صعبة ما دامت تعتمد على استخراج دلالة الوثائق والمعطيات والآثار المنتسبة إلى الماضي، فالمؤرخ مطالب بالتزام الموضوعية وأن يعيش على المستوى الذهني في اللحظة التاريخية التي يريد أن يدرسها.
التاريخ و فكرة التقدم
"ك. ماركس" يتقدم التاريخ نحو الأفضل بفعل التناقض بين الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وينتهي هذا التناقض بميلاد مجتمع جديد وبالتالي تاريخ جديد.
"م.م. بونتي " تسلسل أحداث التاريخ يجعلها خاضعة لمنطق يتصف بكونه منفتحا على احتمالات جديدة، ولهذا لا يمكن الحكم على التاريخ لأنه خاضع لمبدأ السببية الحتمية.
دور التاريخ في التقدم
"ف. هيغل" ليس الانسان سوى وسيلة في يد التاريخ، إن التاريخ بمكره يوهمه أنه صانع التاريخ غير انه لا ينفد سوى ارادة التاريخ وفق مسار الروح المطلق .
"ج.ب. سارتر" الإنسان صانع التاريخ بفضل ما يتمتع به من الحرية والوعي و القدرة على الاختيار بين إمكانات متعددة، وصناعة التاريخ تستوجب استحضار الوعي و المسؤولية

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire